المسؤولية عن انفجار بيروت..!

{title}
أخبار الأردن -

علاء الدين أبو زينة

قبل ثلاث سنوات بالضبط، في 4 آب (أغسطس) 2020، في الساعة السادسة وثماني دقائق مساءً، ضربت عاصمة لبنان الشقيق واحدة من أسوأ الكوارث التي يمكن تصورها على الإطلاق. فجأة، من دون حرب ولا سبب للحذر، ضرب بيروت انفجار وُصف بأنه أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ العالمي. وأرسل الانفجار موجات صدمة عبر المدينة، ‏وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 220 شخصًا، وإصابة أكثر من 7.000 آخرين. ونجمت عن الانفجار خسائر مادية زادت على 8 مليارات دولار، وتشريد نحو 250 ألف مواطن على الأقل، وأضرار وتصدعات نالت من نصف مباني المدينة، إلى جانب إتلاف 85 في المائة من احتياطات البلد من القمح، التي كانت مخزنة في إهراءات الميناء التي دمرها الانفجار بالكامل.

جاءت الكارثة المميتة نتيجة لانفجار ما يقرب من 2.750 طنًا من مادة نترات الأمونيوم الخطيرة في الميناء. وكانت المادة الكيميائية مخزنة هناك لنحو ست سنوات من دون اتخاذ تدابير السلامة اللازمة، على الرغم من طبيعتها شديدة الانفجار. وبلغت شدة الانفجار، حسب تقديرات خبراء من جامعة شيفيلد البريطانية، ما يعادل تفجير 500 إلى 1.100 طن من مادي «تي. أن. تي» شديدة الانفجار، وبقوة تعادل 5 في المائة من قنبلة هيروشيما النووية.

وأضاف الانفجار إلى الوضع المؤسف الذي يعيشه لبنان بقدر ما كانت نتيجة له. وما يزال لبنان يعيش في دائرة شرسة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والمعاناة الاقتصادية الناجمة عن مجموعة معقدة ومتشابكة من العوامل الداخلية والخارجية. داخليًا، تمزق الطائفية النسيج الاجتماعي لأبناء الوطن الواحد، ويستغلها أمراء الحرب من كل الطوائف لتعظيم حصتهم من السلطة والمال على أساس ترتيبات المحاصصة الطائفية، وعلى حساب مواطنيهم. وخارجيًا، يجعل التنافس الطائفي وما يصاحبه من ولاءات خارجية من البلد ساحة معركة لقوى الإقليم المتنازعة. كما يضع الميزان نفسه لبنان في مصلب الاستهداف بسبب موقفه العام المعادي للكيان الصهيوني وتحقيق المقاومة اللبنانية توازن ردع فريد مع الكيان عسكريًا. ويُعاقَب لبنان على هذا الموقف، إقليميًا وغربيًا، بجعل حياة مواطنيه جحيمًا، وتأجيج صراعاته الداخلية وتعطيل التوافق في محاولة لتغيير موقفه العام في المنافسة الإقليمية والدولية.

رتب هذا الوضع ضعف المؤسسات وتفشي الإهمال وسوء الإدارة، بما في ذلك ملف المواد الخطرة في ميناء بيروت التي تم تجاهل التحذيرات المتعددة بشأنها. كما ألقى الانفجار المزيد من الضوء على تفشي الفساد وانعدام الكفاءة الإدارية والسياسية في الحكومة ومؤسساتها، والذي ما يزال يتجلى في إعاقة الوصول إلى نتائج بشأن تحديد المسؤولين المباشرين عن إساءة إدارة ملف نترات الأمونيوم وما جلبه على البلد من كارثة.

وفي الوقت نفسه، جعل الانفجار الأحوال السيئة أكثر سوءًا، فأضاف إلى الأزمة الإنسانية والوضع الاقتصادي المتردي للمواطنين، وأصبح آلاف الأشخاص في حاجة إلى مساعدات عاجلة في الغذاء والمأوى والمساعدات الطبية. كما تضاعفت مشاعر الاستياء العامة من عجز الجهات الحاكمة المتنافسة في لبنان عن حل الأزمات، مما أثار موجة احتجاجات شعبية واسعة النطاق ومطالب بالمساءلة والإصلاح السياسي، سرعان ما قفزت عليها القوى الحاكمة نفسها وأعادت تأطيرها طائفيًا.

وبطبيعة الحال، أظهرت ردود الفعل الإقليمية والدولية على كارثة المرفق النفاق المعتاد. ففي حين أعربت الجهات الإقليمية والعالمية عن استعدادها للمساعدة في الإغاثة وتقديم الاحتياجات الفورية، وكررت الدعوات إلى الإصلاح والمساءلة، حافظت هذه الجهات –وما تزال- على العبث بالبلد وشد أطرافه في اتجاهات مختلفة، والضغط عليه وتجويعه بتحريض وكلائها المختلفين على إدامة الانقسام وتعميق العداء. وعمليًا، استغلت الأطراف المصاعب الإضافية التي جلبها الانفجار على الوضع السياسي والاقتصادي الهش مسبقًا لتجريد اللبنانيين من بقايا الإرادة وإلجائهم إليها طلبًا للدعم والاحتماء من مواطنيهم الذين يُعاملون كمنافسين.

الآن، أصبح لبنان مرهونًا بالكامل للإرادات الخارجية التي تتحكم حتى في أكثر مسائله خصوصية، مثل انتخاب رئيس للدولة، أو محاولة ترتيب الأوضاع الاقتصادية بصفقات مع مؤسسات التمويل الدولية، أو تنويع شركائه ومصادر دعمه. ويحتاج لبنان، كبلد عربي، إلى مساعدة حقيقية حسنة النية من خلال تطبيعه عربيًا واحتضانه وحمايته من ألعاب المهيمنين الخارجيين. لكن هذا الواجب القومي يتطلب شرطًا مسبقًا هو نفسه الذي يلزم لإنقاذ لبنان داخليًا: الإيمان بالمصلحة في اعتناق الهوية الأعلى، والتضامن المخلص ضد أطماع المهيمنين الإقليميين والدوليين، وتأكيد العروبة الجامعة، سواء في لبنان أو لبقية العرب، كطريقة ربما تكون وحيدة لتحييد التصنيفات الفئوية الطائفية والدينية والفصائلية. ويمتلك العرب في الحقيقة الإمكانيات لإنقاذ لبنان من مشاكله، فقط لو توفرت الإرادة لشفاء أجهزة الجسم العربي وتحصينه من أي انفجارات، وتأهيله للمضي قدمًا في عالم تدافُع الأكتاف.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير